الحفلات الموسيقية المختلطة غير قانونية في إيران، لكنها تحدث على أي حال، بعيدًا عن أعين شرطة الأخلاق. وفي تلك الأجواء تملأ بعض منسقات الموسيقى (الدي جيه) القاعات بالأغاني والموسيقي وتكسرن المحرمات وتتخطين الحدود المفروضة عليهن. ذهبت بي بي سي إليهن لمقابلتهن.
قلبت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 الحياة الثقافية في البلاد رأساً على عقب.
وحظرت الثورة الإسلامية موسيقى البوب، التي اعتبرت غير ثورية، مما أدى إلى فرار العديد من الموسيقيين. وفي الوقت نفسه، قضت السلطات بأن غناء المرأة محرم ويتنافى مع تعاليم الدين.
وأدى ذلك إلى القضاء على مشهد موسيقى البوب وعلى الملاهي الليلية المزدهرة بين عشية وضحاها. ولكن خلف الأبواب المغلقة، استمرت بعض الأمور كما كانت من قبل.
تم تهريب الموسيقى “غير اللائقة” إلى البلاد من الخارج، وتم تسليم أشرطة الكاسيت والأقراص المدمجة غير القانونية سراً إلى منازل الناس. وبعد ذلك، بمجرد انتهاء العشاء، يتم إطفاء الأضواء وتصبح غرف المعيشة قاعات للرقص.
تقول باراميدا، التي أصبحت الآن منسقة أغاني وموسيقى (دي جيه) ومنتجة وصاحبة شركة تسجيلات مقيمة في برلين: “كنت نجمة الرقص في كل حفلة عائلية”.
غادرت والدة باراميدا إيران لأنها لم ترد أن تعيش ابنتها في بلد “تُعامل فيه النساء بشكل سيء للغاية”. وكان ارتداء الحجاب الإلزامي واحدا من القيود التي عارضتها.
واستقرت في ألمانيا، ولكن في عام 2002 اضطرت إلى العودة لأسباب عائلية، وذهبت باراميدا لمدة أربع سنوات إلى المدرسة في طهران. ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت ترقص ليس في المنزل فحسب، بل كانت تحضر الحفلات السرية.
وقالت باراميدا: “كنا نفترق في السيارات، الشباب بمفردهم والفتيات في سيارات أخرى بمفردهن. كنا نخرج من المدينة. وبعد ذلك نشغل الموسيقى والأضواء ويرقص الجميع”.
في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ نوع جديد من الحفلات في الظهور في إيران. ومع وصول الأقمار الصناعية غير الشرعية، ظهرت قنوات الموسيقى مثل إم تي في MTV، وسرعان ما ظهرت الحفلات الموسيقية السرية.
وتتذكر الدي جيه نسا أزاديخاه، 40 عاما، التي ولدت وتعيش في طهران، قائلة “أول مرة أذهب فيها إلى حفل كان الدي جيه يشعل أنواعا موسيقية من إعداده”.
“لقد كان الأمر مثيراً، كنت أنظر إلى الدي جيه طوال الوقت وأقول لنفسي: “أود أن أحصل على هذه الوظيفة”.”
وبعد سنوات قليلة، أصبحت نيسا واحدة من أوائل النساء الإيرانيات اللاتي عملن ك دي جي في “حفلات مجانية” سرية، وهي حفلات راقصة على أنعام موسيقى التكنو في أماكن خاصة ومجانية.
في الأيام الأولى، كانت الحفلات تقام في الغالب في قرية منتجع التزلج شمشك، الملقبة بـ “شيبيزا” على اسم جزيرة إيبيزا الإسبانية وملاهيها الليلة الشهيرة.
لكن الحفلات في إيران تعتبر جريمة. وعلى الرغم من أنها غير مدرجة في قانون العقوبات، إلا أنه يتم القبض على الأشخاص في كثير من الأحيان في تجمعات سرية، واتهامهم باستهلاك أو توفير الكحول، أو الاختلاط مع أشخاص من الجنس الآخر – وهي جرائم يمكن أن يعاقب عليها بالغرامات أو أحكام السجن أو الجلد.
من غير المعروف عدد الاعتقالات من هذا النوع التي تحدث كل عام، ولكن تم اعتقال 300 من رواد الحفلات في حفل واحد سري في نوفمبر/تشرين اثاني الماضي، وفقًا لتقارير من وكالات الأنباء المحلية.
وقبل أيام فقط، في 5 مارس/آذار، وردت تقارير عن اعتقال 11 طالبًا على الأقل من إحدى الجامعات الكبرى في حفل مختلط بين الجنسين وتم إيقافهم لمدة تصل إلى ثلاثة فصول دراسية.
تقول نيسا: “كان والداي يخبرانني دائمًا أنه إذا قبضت علي الشرطة في حفلة، فسيكون ذلك مشكلة. وهذا ما جعلني حذرة للغاية”.
ولم يتم القبض عليها ولا باراميدا على الإطلاق لحضور حفلات موسيقية، لكن العيش مع شعور دائم بالخطر ربما يكون هو الذي ساهم في تشكيل حياة صانعي الموسيقى الإيرانيين.
وهذا أحد الأسباب التي جعلت نيسا وباراميدا تشعران أنهما ضمن الحركات النسائية التي كانت على مدى السنوات الـ 45 الماضية جزءًا من الدعوات التقدمية للتغيير في إيران، خاصة بعد وفاة مهسا أميني في مركز الشرطة، وهي شابة إيرانية اتهمتها الشرطة بعدم “إحكام ارتداء الحجاب”.
وتقول باراميدا إنها تأثرت بآلاف المتظاهرين الذين كانوا يهتفون “المرأة، الحياة، الحرية”، مع اندلاع الاحتجاجات في جميع أنحاء إيران في عام 2022.
وتقول: “أنا امرأة، وأريد أن أعيش، وأريد أن أكون حرة، وقد أعطتني هذه [الحركة] في الواقع الأمل في أن يكون هناك رابط بيننا جميعًا نحن النساء”.
وتوافقها نيسا الرأي.
وقالت “”المرأة، الحياة، الحرية” مخصصة للنساء في جميع أنحاء العالم”، وتعتقد أن الحركة الإيرانية جعلت العالم “يرى نفسه في ضوء مختلف”.
وبدأت مع زميلتها الدي جيه الإيرانية عايدة مشروع المرأة والحياة والحرية، الذي قمن فيه بجمع الموسيقى الإلكترونية لمجموعة من الفنانات الإيرانيات. ويأتي ذلك مصاحبا لمبادرة أخرى تديرها تدعى ديب هاوس طهران، وهي منصة تعرض أعمال منتجي الموسيقى الإلكترونية في إيران والشرق الأوسط.
ويشعر كل من نيسا وباراميدا أن ذهاب المرأة إلى حفلة موسيقى إلكترونية سرية يعد عملاً متحديا وإعلانا سياسيًا، في بلد تقليدي وديني مثل إيران.
وقالت نيسا لبي بي سي: “نظرا لأن معظم الأشياء التي نهتم بها هي محظورة وممنوعة، فعندما نبدأ في القيام بهذه الأشياء ومتابعتها، فإننا في الأساس نكسر المحرمات والقواعد، وتتحول هذه الأفعال إلى أعمال عصيان واحتجاج”.
تقول باراميدا: “أقوم بفعل ما هو محظور على الكثير من النساء في إيران مما يجعلني نموذجا حيا للاحتجاج”
ومن المعروف أن صناعة موسيقى الرقص العالمية يهيمن عليها الذكور بشكل كبير، ولكن كان الأمر أسوأ بكثير عندما بدأت باراميدا ونيسا في العمل ك دي جيه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وقالت نيسا: “أتذكر أن ردود الفعل لم تكن إيجابية للغاية”، “كان الراقصون ينظرون إليّ بطرق غريبة”.
ولم تختف المشكلة تماما بعد.
وتقول نيسا، التي كانت أول دي جيه تعمل في إيران، وشهدت كيف تغير المشهد: “لا يزال التمييز الجنسي موجودًا، لكن الأمر مختلف تمامًا”. وتقول إن هناك حاليًا ما لا يقل عن 10 منسقات أغاني أخريات في عالم الموسيقى السرية.
وقالت باراميدا”طوال حياتي قيل لي: لا يمكنك فعل هذا، لا يمكنك فعل ذلك لأنك امرأة”، وكنت أقول: “أستطيع، وسوف ترى” وقالت “بحلول سن الخامسة والعشرين، أصبحت دي جيه في أفضل الحفلات السرية وأصبح لدي علامة تسجيل خاصة بي”.
وتعمل حاليًا دي جيه في بانورما بار في بيرغين، وهو ملهى ليلي شهير في برلين.
وعلى مدى عدة سنوات، تم رفض طلباتها للحصول على تأشيرة للدول الأوروبية، كما يحدث للعديد من الفنانين الإيرانيين الآخرين.
لكنها بدأت أيضًا تشعر بأن حياتها المهنية لن تكون ممكنة في إيران. وحاولت الانتقال إلى الفعاليات المرخصة لكنها تقول إن تلك الفعاليات يتم إلغاؤها باستمرار.
وقالت نيسا: “يواصلون إلغاء تصاريحي، وأصبح من الواضح بالنسبة لي أنني لم أعد أستطيع العمل في بلدي”.
ولكنها حصلت في النهاية على فرصة لممارسة فنها بالخارج. وقالت “كان ذلك في عام 2017، حيث دعيت للعب في يريفان، أرمينيا. وكانت السنة الفارسية الجديدة. وكان الملهى صاخبًا، وتلقيت ردود فعل رائعة، مما أعطاني طاقة جيدة”.
وحصلت الآن على إقامة لمدة عام في فرنسا من خلال برنامج تأشيرة المواهب العالمية.
وقالت نيسا وهي تستعد لحفل راقص في أحد الأندية في ليفربول: “أشعر الآن أنه يتعين علي العمل بجدية أكبر وأسرع، فهناك المزيد من المنافسة هنا”.
كما أن قدرتها على العمل في الخارج غرست لديها أيضًا شعورًا بالمسؤولية الجماعية.
“أنا هنا الآن لكن العديد من منسقات الموسيقى في إيران لا تتاح لهن هذه الفرصة، ومن واجبي أن أساعد الأخريات على العزف في أوروبا”.
وتلعب باراميدا الآن في نواد ليلية ومهرجانات في دول مثل اليابان و البرازيل، تحدثت إلى بي بي سي 100 امرأة من إيبيزا، حيث كانت تستعد لحفل في أحد الأندية الشهيرة في الجزيرة، لكنها لم تعد إلى إيران منذ عام 2006.
“أحد أكبر أحلامي هو أن أتمكن من العودة وإقامة حفل في طهران!” تقول: “كم سوف يكون ذلك رائعا؟”
ولدى نيسا الشعور ذاته.
وقالت “لعب الموسيقى خارج إيران يحررني، ولا داعي للقلق بشأن اعتقالي”.
“ولكن لا يوجد مكان آخر يتمتع بأجواء الحفلات السرية في إيران.”
ظهرت في الأصل على www.bbc.com