بريان ويلر وجنيفر ماكيرنان
مراسلا بي بي سي للشؤون السياسية
يتمتع قِلة من الساسة بالقدرة على إثارة الحشود والجدل تماماً مثل جورج غالاوي.
ففي مسيرة مهنية امتدت لأربعة عقود، رُحب به باعتباره بطل اليسار المناهض للحرب، وتعرض للسخرية باعتباره متسابقاً في تلفزيون الواقع، وتم انتخابه لعضوية البرلمان سبع مرات عن ثلاثة أحزاب مختلفة.
وتُظهر العودة السياسية الأخيرة للرجل البالغ من العمر 69 عاماً، في دائرة روتشديل، أنه لم يفقد شهيته للنزال، أو موهبته في إثارة خصومه.
وكما فعل في الانتخابات الفرعية السابقة، فقد استهدفت رسالته في الأساس الناخبين المسلمين، ووعد في حالة فوزه بأن يكون مناصراً قوياً للفلسطينيين في الصراع بين إسرائيل وحماس.
لكنه استهدف أيضاً المؤسسة السياسية والإعلامية برمتها.
وقال في اجتماع في روتشديل خلال الحملة الانتخابية: “ليس هناك الكثير الذي يمكنني فعله لمنع نتنياهو، لكن لدي الحق في محاولة منع ريشي سوناك وكير ستارمر من التعاون معه”.
وأضاف قائلاً: “ولهذا السبب فإن السياسيين ووسائل الإعلام غير راضين عن احتمال عودتي إلى البرلمان في نهاية هذا الشهر لأنهم يعرفون أنني سأدخل قاعة مجلس العموم كالإعصار وسأدخل إلى البرلمان في نهاية هذا الشهر، وسوف تهتز جدران قاعته من أجل غزة”.
ومضى قائلاً:”إنهم يعرفون ذلك، ويخشون عودتي، ولذلك يجب أن تعطوهم ما يخافونه”.
وهذا النوع من الخطاب القتالي هو السمة المميزة لغالاوي.
بالنسبة لمنتقديه ومعارضيه، فهو أناني خطير ومثير للانقسام.
فهو يعتبر نفسه جزءاً من النضال الدولي من أجل الاشتراكية وضد الإمبريالية- وخاصة الإمبريالية الأمريكية- ومعارضاً قوياٍ للصهيونية. ووصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري ودعا إلى تفكيكها.
وعلى الرغم من الشائعات التي ترددت عن اعتناقه الإسلام، فهو مرتبط بقوة بجذوره الكاثوليكية الأيرلندية وشدد على أهمية تكوين أسرة كبيرة. وقد أنجب ستة أبناء وتزوج من زوجته الرابعة بوتري غاياتري بيرتيوي في عام 2012.
ولد غالاوي في مدينة دندي الفقيرة في عام 1954، وعمل في خط الإنتاج في إطارات ميشلان، حيث بدأ نشاطه لأول مرة كنقابي.
وفي عام 1980، شارك في رفع العلم الفلسطيني من مكاتب مجلس دندي البلدي، وشارك في توأمة دندي مع مدينة نابلس بالضفة الغربية. وفي عام 1983، أصبح أميناً عاماً لجمعية الحرب على العوز الخيرية.
وتم انتخابه للبرلمان لأول مرة في عام 1987، بصفته نائباً عن حزب العمال عن غلاسكو هيلهيد، حيث اكتسب بسرعة سمعة باعتباره متشدداً يسارياً.
غالاوي يلتقي بصدام حسين
وفي التسعينيات من القرن الماضي، تعرض لانتقادات شديدة لأنه التقى بالزعيم العراقي صدام حسين وقال له- في مقطع تكرر كثيراً- “سيدي، أحيي شجاعتك، وقوتك، وهمتك”. وأدت زياراته المتعددة للمنطقة خلال تلك الفترة إلى أن يطلق عليه لقب “عضو البرلمان البريطاني عن وسط بغداد”.
وما يعتبره العديد من المؤيدين أفضل أوقاته- وما وصفه في ذلك الوقت بأنه كان أفضل يوم في حياته، عندما قدم في عام 2005 أدلة إلى لجنة فرعية في مجلس الشيوخ الأمريكي.
ووصف الادعاءات بأنه حصل على اعتمادات لشراء النفط العراقي من قبل صدام حسين بأنها “أم كل التسترات للتغطية على الجرائم” التي ارتكبت كجزء من غزو العراق. واتهم أعضاء مجلس الشيوخ الذين يحققون في برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة بأنهم “متعجرفون” إزاء العدالة، قائلا إنهم “شوهوا” اسمه.
وقد جاء عنوان صحيفة نيويورك بوست حينئذ “بريطاني قام بقلي أعضاء مجلس الشيوخ في الزيت”.
وكان قد طُرد في ذلك الوقت من حزب العمل بسبب موقفه من حرب العراق عام 2003.
واتهمه حزب العمال بتشويه سمعة الحزب بعد أن قال إن القوات البريطانية في العراق يجب أن ترفض الانصياع للأوامر، قائلاً إن تلك الأوامر ستكون “غير قانونية” لأن الغزو البريطاني الأمريكي للعراق”غير قانوني”.
وانضم إلى حزب الاحترام الناشئ المناهض للحرب في عام 2004، وحقق نصراً غير متوقع في بيثنال جرين وبو، في شرق لندن، في حملة متوترة، وفي بعض الأحيان مريرة.
غالاوي يدخل برنامج (الأخ الأكبر)
مع وصول شهرته إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، اتخذ قرارًا بدخول برنامج تلفزيون الواقع سيليبرتي بيغ براذر (الأخ الأكبر).
وبالنسبة للكثيرين فإن الصورة الدائمة لغالاوي هي تلك التي يرتدي فيها بدلة ضيقة، ويتظاهر بأنه قطة ويحتسي حليباً وهمياً من يد الممثلة رولا لينسكا، بينما يتحدث بصوت هادئ.
لقد حصل على نصيبه من السخرية بسبب ظهوره في البرنامج، لكن لا يبدو أن ذلك قد ألحق أي ضرر طويل الأمد بمسيرته السياسية.
فبعد خسارة بيثنال جرين وبو في الانتخابات العامة في عام 2010، ترشح في الانتخابات الفرعية في برادفورد ويست عام 2012، وفاز بها بأغلبية ساحقة بلغت 56 في المئة من الأصوات.
لقد كانت واحدة من أكبر الهزات في التاريخ الانتخابي الحديث، لكنه خسر المقعد في الانتخابات العامة عام 2015.
وسيتبع ذلك المزيد من الانتخابات الفرعية- بما في ذلك الهزيمة امام حزب العمال في باتلي وسبن في عام 2021 بعد حملة أخرى سيئة وخوض انتخابات عمدة لندن عام 2016 حيث جاء في المركز السابع.
وأصبح من النادر ظهوره على وسائل الإعلام الرئيسية الآن (فهو ليس من المعجبين بها)، كما صار ماهراً في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال رسالته.
وقد سخّر مهاراته الخطابية كمقدم لبرنامج عبر الهاتف، والذي أطلق عليه اسم “أم البرامج الحوارية”، وكذلك كمقدم على قناة (آر تي الإخبارية) المدعومة من الكرملين، والتي تم إيقاف بثها في عام 2022.
وانتهك أسلوب غالاوي قواعد أوفكوم بشأن الحياد في مناسبات متعددة في المحطتين في عام 2018 منها ثلاث مرات بسبب عدم التوازن بشأن قضية تسمم سكريبال، وفي حديث إذاعي بسبب معاداة السامية، وتم فصله لاحقا من قناة (آر تي) بسبب منشور على وسائل التواصل الاجتماعي اعتُبر معادياً للسامية.
وتعكس أحدث مركبة انتخابية لغالاوي، حزب عمال بريطانيا (The Workers Party of Britain)، القيم الاشتراكية التقليدية التي كان يتبناها حزب العمال. ويهدف إلى تجنيد 50 مرشحاً لإرسال رسالة إلى كير ستارمر- الذي يحتل مكانة بارزة في قائمة أعدائه- بشأن الانتخابات العامة المقبلة.
ولكن في الوقت نفسه فإن عودته إلى مجلس العموم، أيا كان أمدها، ستكون مثيرة للاهتمام.
ظهرت في الأصل على www.bbc.com