كامل المعمري
وتلقى الردع الإسرائيلي الذي طالما تفاخرت به تل أبيب، والذي كان يعتبر أحد أبرز عناصر قوتها العسكرية، ضربة قوية نتيجة هذه العملية. ولم يكن الصاروخ اليمني الذي تفوق سرعته سرعة الصوت رمزا للتقدم التكنولوجي اليمني فحسب، بل كان أيضا اختبارا حقيقيا لقدرات إسرائيل الدفاعية.
قدرة الصاروخ على الإفلات من الأنظمة الدفاعية مثل القبة الحديدية والهاتز والإعصار وغيرها كشفت عن نقاط ضعف حقيقية في هذه الأنظمة. وكان لافتاً ما ذكره بعض المحللين العرب في الشؤون العسكرية على إحدى القنوات الإخبارية العربية عندما سألته المذيعة، حقيقة دخول الصاروخ اليمني إلى تل أبيب من الجهة الشرقية، وأن ذلك يعتبر… له أهمية كبيرة لإسرائيل.
وكان رد المحلل العسكري هو أنه إذا انطلق الصاروخ من اليمن فلن يشمل المنطقة الشرقية بل المنطقة الجنوبية بحكم موقعه الجغرافي. وبما أن الصاروخ دخل المنطقة الشرقية، فالسيناريو الأرجح هو إطلاق الصاروخ. انطلقت من العراق بحسب وصفها، وهو ما يبررها بوجود تنسيق بين اليمن والعراق ووحدة الأراضي. هذا صحيح، لكن الصاروخ انطلق من اليمن، ولا داعي لتجاهل الأفكار اليمنية في مجال التطوير والابتكار.
وقد أغفل هذا المحلل بعض الحقائق المهمة، وهي أن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والتي تتمتع بقدرات توجيه متقدمة، يمكنها تعديل مسارها بدقة بعد إطلاقها، من خلال أنظمة الملاحة المتقدمة مثل القصور الذاتي أو الملاحة أو غيرها من التقنيات، التي تسمح للصاروخ بالتنقل في المناطق الجغرافية التقليدية للالتفاف. حدوده ووصوله… بالضبط أهدافه.
صحيح أن الاختراق الذي حققه الصاروخ من الجهة الشرقية لتل أبيب يثير تساؤلات، لكن الصحيح أيضا أن التفوق التقني لهذا الصاروخ يعكس قفزة كبيرة إلى الأمام في تكنولوجيا الصواريخ وتحديا كبيرا لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية.
وبالتالي فإن هذا الهجوم يقدم لنا سيناريوهين وليس ثالثا
السيناريو الأول: إذا دخل الصاروخ الذي تفوق سرعته سرعة الصوت والموجه إلى إسرائيل من الجهة الشرقية، فهذا يشير إلى مسار غير تقليدي وغير متوقع، مما يثير تساؤلات حول كيفية تحقيق ذلك. وهذا يثير احتمال أن يكون الصاروخ قد اتبع مسارًا دائريًا عبر المجال الجوي الدولي، مما يعني أنه ارتفع على طول مسار طويل منحني ثم بدأ في الهبوط نحو هدفه من الشرق.
وتتميز الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي تسير بسرعات تتجاوز خمسة أضعاف سرعة الصوت، بقدرتها على التحرك بسرعات عالية للغاية وبتقنيات متقدمة تتيح لها تنفيذ مسارات غير تقليدية.
وربما أكمل الصاروخ مسارًا دائريًا طويلًا عبر المجال الجوي الدولي، وفي هذه الحالة سيتطلب الصاروخ تكنولوجيا توجيه وتحكم متقدمة للغاية.
ومثل أنظمة التوجيه بالقصور الذاتي، تعتمد هذه الأنظمة على أجهزة استشعار داخلية لمراقبة الحركة والسرعة والاتجاه، مما يسمح للصاروخ بتعديل مساره بدقة أثناء الطيران. وبالتالي فإن القدرة على تغيير المسار أثناء الطيران تزيد من القدرة على التغلب على العقبات والتهرب من أنظمة الدفاع.
وتسمح هذه التقنية للصاروخ بتعديل مساره وتحديد موقعه بدقة، حتى لو امتد المسار لمسافات طويلة وعبر الأجواء الدولية.
يمكن للصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تنفيذ هذه الأنواع من المسارات بفضل قدرتها على التحرك بسرعات هائلة وتغيير مسارها بشكل كبير.
السيناريو الثاني هو أن الصاروخ اليمني الذي تفوق سرعته سرعة الصوت والذي وصل إلى تل أبيب، سواء وصل من الجانب الشرقي أو من أي مكان آخر، يثير تساؤلات عميقة حول التقنيات المستخدمة والابتكارات المحتملة التي مكنت من تنفيذ هذا الهجوم المعقد الذي استخدمه الجيش اليمني. تقنيات تشويش متقدمة تم تزويد الصاروخ بها، مما أدى إلى التشويش على الرادارات الإسرائيلية.
الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي تتميز بسرعاتها الهائلة وقدرتها على تنفيذ مسارات غير تقليدية، ومزودة بتقنيات تشويش رادارية متقدمة.
وتعتبر هذه التقنيات من العناصر الأساسية التي تسمح للصواريخ بتجنب الاعتراض والتفوق على أنظمة الدفاع الجوي. تشتمل تقنيات التشويش الراداري على سلسلة من الأدوات والآليات التي تهدف إلى إرباك الرادارات وخداعها بشأن مسار الصاروخ ومصدر إطلاقه.
إحدى الطرق الشائعة هي استخدام أجهزة التشويش للتسبب في التداخل مع إشارات الرادار، مما يجعل من الصعب على أنظمة الدفاع الجوي تحديد المسار الفعلي للصاروخ. يمكن لهذه الأجهزة أن تنتج إشارات كاذبة أو إشارات متعددة الأهداف، مما يسبب مشاكل كبيرة في تصحيح مسار الصاروخ أو تحديده بدقة.
تواصل في التعليقات
وبالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام تقنيات التشويش الإلكتروني يمكن أن يلعب دوراً بارزاً في إرباك الأنظمة الدفاعية مثل الرادارات وأنظمة الصواريخ الاعتراضية. ويمكن أن تشمل هذه التقنيات إرسال إشارات كاذبة أو استخدام الشظايا لإرباك وخداع الرادارات، مما يعقد عملية اعتراض الصاروخ قبل وصوله. وهذا لا يعكس التقدم في التكنولوجيا العسكرية للأطراف المهاجمة فحسب، بل يسلط الضوء أيضًا على كيف يمكن للتكنولوجيا أن تتجاوز الحدود الجغرافية التقليدية، مما يزيد من تعقيد العمليات في المنطقة.
ولذلك فإن الهجوم الصاروخي اليمني الذي دخل تل أبيب، سواء من الشرق أو من الجنوب، يقدم سيناريو مثيراً للتفكير حول كيفية وصول الصاروخ بشكل غير متوقع إلى قلب تل أبيب، لكن لا بد من اختبار قدرات العقول اليمنية في المنطقة. ولا ينبغي إغفال مجال التنمية والتطوير. الابتكار، وخاصة في مجال تكنولوجيات الصواريخ.
وهنا لا بد من أخذ عدة عوامل بعين الاعتبار عند التحليل، ودعونا لا نتجاهل التطور الكبير الذي حققته القوات المسلحة اليمنية في مجال الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، التي أصبحت تتمتع بقدرات متقدمة تتيح لها تعديل مسار الهجوم. الصواريخ واختيار الزوايا التي يريدون ضرب أهدافهم منها.
أولاً: القدرات التكنولوجية المتقدمة. إن التطور التكنولوجي الذي حققته القوات المسلحة اليمنية في مجال استهداف الصواريخ والتحكم في مسارها بعد إطلاقها يعد تطوراً كبيراً جداً. وهي تقنيات تسمح للصواريخ بتغيير اتجاهها لتفادي أنظمة الدفاع الجوي أو مهاجمة أهداف معينة من زوايا غير متوقعة.
ثانياً: التحكم بالمدى والمسار. ومن المعروف أن اليمن يمتلك صواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب أهداف داخل إسرائيل من اتجاهات مختلفة عما كان متوقعا.
ثالثاً: استخدام الاستراتيجيات التكتيكية. قد تستخدم القوات اليمنية استراتيجيات التحويل أو الإلهاء التي تهدف إلى التهرب من أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المعروفة بتغطيتها القوية في الجنوب، مما يجعل الهجمات من الشرق أكثر فعالية وأقل احتمالية للتصدي لها.
رابعا: لا تتجاهلوا الخطاب الإعلامي اليمني، وخاصة خطاب السيد عبد الملك الحوثي الذي أكد قبل أيام أن اليمن سيقوم بعمليات برية باستخدام تقنيات جديدة وغير مسبوقة.
خامساً: يجب أن نعلم أن اليمن كانت أول دولة في العالم استخدمت الصواريخ الباليستية لضرب أهداف متحركة في البحر، وكسرت القاعدة المعروفة باستخدام الصواريخ الباليستية لضرب أهداف ثابتة، تماماً كما فعل الجيش اليمني. واستطاعت أن تكسر هذه القاعدة باستخدام التقنيات الجديدة في المنظومات الصاروخية، كما تمكنت من كسر القاعدة الثانية التي بنى عليها البعض تحليلاتهم
صحفي متخصص في الشؤون العسكرية
وترحب «راي اليوم» بآراء الكتاب، وتأمل ألا يتجاوز المقال 800 كلمة، مع صورة وتعريف مختصر عن الكاتب.